Friday, January 11, 2013

التأخر الدراسي .. أسبابه وطرق علاجه


التأخر الدراسي .. أسبابه وطرق علاجه
   

      تعتبر مشكلة التأخر الدراسي إحدى المشكلات التي لا يكاد يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات سواء السالفة أو المعاصرة ، لذلك لا نستطيع الحكم على هذه المشكلة على أنها مشكلة نبتت جذورها في العصور القديمة أو الوسطى أو الحديثة ، وإنما هي مشكلة وجدت بوجود التعليم ، وحيث أنه في العصور القديمة لم يكن التعليم إلزامياً كما هو الحال في الوقت الحالي فإن هذه المشكلة لم تلق أي اهتمام أو دراسات مستفيضة كالتي يبذلها متخصصو التربية الآن.. فقد كان التعليم في ذلك الوقت مقصوراً على علوم بذاتها رغم اتساع مجالات العلوم آنذاك .
    والحق يقال أن الباحثين اليوم في مجال التربية يقومون بإجراء العديد من الدراسات حول مشكلة التأخر الدراسي ، وقد تم التوصل جزئياً إلى أسبابها وطرق علاجها ، وفي هذه العجالة القصيرة سوف أسلط الضوء على هذه المشكلة . فكما هو معلوم لدى الجميع أن الطالب المتأخر دراسياً " هو ذلك الذي يكون مستواه الأكاديمي أقل من زملائه .. " ويمكن إيجاد عدد من صور التأخر الدراسي ولكني أتناول هنا صورتين فقط وهما التأخر الدراسي العام " وهو أن يكون التلميذ متأخراً في جميع المواد الدراسية سواء لعام واحد أو أكثر " أما التأخر الدراسي الخاص وهو ما يسمى بمواد الإكمال " قد يكون في مادة بعينها أو أكثر "، وهذا النوع قد يكون سببه النقص في قدرة ما من بين المقدرات العقلية أو لأسباب أخرى متعلقة بالتلميذ أو الأسلوب التربوي المتبع .
    إن مشكلة الضعف القرائي تعد من أخطر المشكلات التي يعاني منها الطفل في المرحلة الإبتدائية والتي تكون فيما بعد سبباً لمشاكل التأخر الدراسي بشكل عام ، ومشكلة الضعف القرائي تعد تعطيل للمدرسة عن أداء وظيفتها إلى حد ما ، ولكن يستطيع كل معلم أن يقرر وجود هذه المشكلة في كل فصل دراسي بالمرحلة الإبتدائية حيث توجد مجموعة من التلاميذ الذين يعجزون عن مسايرة بقية زملائهم في التحصيل الدراسي ، فتصبح المشكلة هنا مشكلة تأخر دراسي نوعي ، وتتفاقم المشكلة حين يعاني المتأخرون دراسياً من مشاعر النقص والإحساس بالعجز عن مسايرة غيرهم وغالباً ما يحاول هؤلاء التعبير عن هذه المشاعر السلبية بالسلوك العدواني أو بالانطواء والانعزال أو الهروب من المدرسة أو من المجتمع بأسره .. وكثيراً ما تكون اتجاهاتهم نحو أنفسهم ونحو الآخرين اتجاهات سلبية ، وقد يصل ببعضهم الحال إلى درجة اليأس أو تقبل ذواتهم على أنهم فاشلون أو منبوذون وفي هذه الحالة قد يصعب تعديل سلوكهم ، كما قد يصبح الأمل ضعيفاً في جدوى العلاج معهم .
       إن من الأسباب الرئيسية لرسوب الطالب في المرحلة الإبتدائية التخلف أو الضعف في القراءة ، وإذا قدّر للطالب أن ينتقل من صف دراسي إلى ما هو أعلى منه بصرف النظر عن المستوى التحصيلي له ، فإنه يواجه صعوبة في استيعاب المنهج الجديد فتزداد المشكلة تعقيداً .. ولقد سادت نظرية النقل الآلي في المرحلة الإبتدائية ،  كما أن كثيراً  من المعلمين  لا يركزون على  مشكلة الضعف القرائي في هذه المرحلة لأنهم يعدون ذلك مدعاة للتعب والإرهاق لهم فأدى ذلك إلى وجود المتأخرين دراسياً وتسربهم إلى المرحلة الإعدادية وهذا بدوره يسبب مشكلات للمعلمين والتلاميذ في المرحلتين الإبتدائية والإعدادية . ولا شك أن تحديد حاجات هؤلاء المتعلمين ومستوياتهم وإعداد الخبرات والمعلومات والمهارات التي تسد هذه الحاجات وتلائم تلك المستويات أمر عسير بالنسبة للمعلم العادي ،ولذا فإنه من الضروري أن يعمل المعلمون مع الموجهين والأخصائيين المختلفين بالاشتراك مع إدارة المدرسة وأولياء أمور الطلبة لوضع أو اختيار البرنامج المناسب لعلاج هؤلاء التلاميذ من الضعف القرائي أولاً ومن ثم تجنب المشكلة في وقت مبكر ، وكلما تم التعرف على الطفل المتأخر دراسياً أمكن تحديد نوع تأخره وبالتالي سهل إعداد برنامج دراسي ملائم له . وقد يؤدي التأخر الدراسي إلى إصابة التلميذ المتأخر دراسياً ببعض الأمراض النفسية أو الخوف والضعف ، وشعور التلميذ بالنقص . وقد يكون هذا التلميذ كما كرنا يشكل عائقاً في طريق العملية التعليمية إذ أنه يشغل مكان غيره إذا تكرر رسوبه حيث أنه يضيع جهد المعلم وذلك بالتكرار من أجله وربما أصيب التلاميذ النابهون بالملل والانصراف عن الدرس .
  وتتعدد أسباب المشكلة ولكن يمكن حصرها في مجموعتين أولاهما مشكلات أو أسباب عضوية وتتضمن العيوب السمعية والبصرية وعيوب النطق والكلام والضعف البدني وقصور القدرات العقلية ، وثانيهما أسباب انفعالية وبيئية وتربوية وتتضمن عدم التوافق الشخصي والاجتماعي والعوامل البيئية وعوامل ترجع إلى المدرسة .
   قد تكون أسباب التأخر الدراسي فردية أي متعلقة بالتلميذ نفسه وهذه تنقسم إلى جسمية وعقلية وسيكولوجية "نفسية" . فمن الناحية الجسمية قد يعاني التلميذ مثلاً من قصور جسمي قد يكون عاماً كالضعف الناتج عن الإصابة بمرض ما أو قد يكون قصوراً جزئياً كأن يعاني التلميذ من نقص في أحد حواسه كالسمع أو البصر ويترتب على هذا عدم متابعته للدروس اليومية فيتأخر عن أقرانه ، ومن الناحية العقلية قد يكون مستوى ذكاء التلميذ اقل بكثير من مستوى الذكاء العام لبقية أقرانه أو ربما يكون متخلفاً في قدراته العقلية مما يجعله غير متابع لدروسه ، وقد يكون قصور التلميذ في بعض القدرات الخاصة والذي يكون السبب في تخلفه في بعض المواد دون غيرها .أما من الناحية السيكولوجية " النفسية " والتي قد تنجم عن عوامل متعددة ومتداخلة كتداخل الجسمية مع العقلية أو مع الاجتماعية مثلاً .فإذا كان التلميذ مصاباً بعاهة جسمية أو عقلية فربما كان معرضاً للسخرية من قبل زملائه فلا يستطيع التوائم معهم ، أو من قبل أفراد المجتمع وبالتالي يتولد لديه الشعور بالنقص وضعف الثقة بالنفس فيكره المدرسة والمعلم وزملائه والمجتمع بأسره .
    كما أن الأسباب الاجتماعية سواء في المحيط الخارجي أي المجتمع أم المدرسة أو المنزل له أثره الكبير على تحصيل الطالب دراسياً ، فعدم استقرار الجو الأسري وكثرة المشاحنات العائلية كالتي تحدث بين الوالدين أو الأخوة أو بين الوالدين والتلميذ ، وانخفاض المستوى المعيشي للأسرة وانهيار المستوى الثقافي أو معاملة التلميذ بتدليل وعطف زائد عن الحد أو بقسوة من قبل الوالدين وكذلك رفاق السوء وتوفير وسائل اللهو المتعددة في المنزل وعدم تلقي التوجيه والنصح أو كثرة تنقل التلميذ من مدرسة إلى أخرى بسبب ظروف عمل رب الأسرة ونقل الإقامة من مكان إلى آخر يسبب في تشتيت ذهن التلميذ وقدراته ، كل ذلك يؤدي إلى تمزيق التلميذ نفسياً وبالتالي عدم استذكاره ومن ثم تأخره دراسياً .
   والمدرسة لها دور كبير في خلق هذه المشكلة ، فإذا كان الجو المدرسي العام متوتراً مشحوناً بالأعمال الدراسية طوال الوقت مما يجعله خانقاً للتلميذ فينصرف عنه ، هذا بالإضافة إلى أن التزمت الشديد من قبل النظام المدرسي وتقييد حريات الطلاب يولد ف نفوسهم الضيق والسأم والرغبة في الخلاص من المدرسة هذا بالإضافة إلى عدم توفير الأنشطة الترفيهية والذهنية التي تساعد الطلاب على تجديد نشاطهم وتنمية قدراتهم ، ثم أن استخدام بعض المدرسين أسلوب القسوة في معاملاتهم مع التلاميذ وكثرة تنقلاتهم بين الفصول سبب رئيسي في تشتت أذهان التلاميذ وكذلك عدم إعطاء كل تلميذ حقه في المشاركة الصفية أو اللاصفية فضلاً عن اتباعه لطرق تدريس غير تربوية . ورغم أن العقاب البدني ممنوع بموجب القانون إلا أن العديد من المعلمين لا يزال يعتقد بجدواه في حفظ النظام ، مع أنه من المسلم به أن العقاب البدني ينتج عنه الخوف لدى الصغار إلا أنه في الوقت نفسه يولد الاستياء عند معظم الذين يتعرضون له ، فتراهم يلجأون للتعبير عن هذا السخط والاستياء بمهاجمة المدرسة أو العاملين بها أو قد يشعرهم ذلك بالضعف وعدم الثقة بالنفس إذ أنهم يصبحون مدعاة للسخرية أمام زملائهم . وذلك في حد ذاته قد يؤدي إلى خلق مشكلة أخرى وهي ظاهرة الهروب من المدرسة ، وفي العادة يكون التشجيع من قبل تلميذ تعود الهروب أو من مجموعة من التلاميذ يشجع أحدهم الآخر على ترك المدرسة ، ويكثر الهروب من المدرسة على وجه الخصوص في سن المراهقة مع زيادة حب المغامرة والرغبة في الخروج عن السلطة والسيطرة  وإبراز الذات أو لمشكلة وقعت بين التلميذ والمعلم أو مع أحد زملائه ، فنجد الطالب يخشى الذهاب إلى المدرسة ، وهذه المشكلة تلاحظ بكثرة في أوساط مدار البنين .إن قوانين المدرسة ونظمها في هذه الحالة لا تعني شيئاً بالنسبة لهؤلاء لأنهم فقدوا اهتمامهم بها وارتباطهم فيها ، فليس هناك ما يشدهم إليها ولذا فهم يعملون ما يروق لهم أو ما يجول بخاطرهم ما لم توفر لهم المدرسة شيئاً من المتعة من وجودهم فيها لتعوضهم عن المتعة التي يشعرون بها نتيجة خلقهم للمشاكل ومن ثم فإن مشاكل مؤلمة تنتظرهم في المدرسة وخارجها . ولقد دلت التجارب على أن الطالب كلما قوي شعوره باحترام إنسانيته وبأنه يلقى العناية الكافية ازداد امتثالاً للنظام وزاد حبه للتعلم وبالتالي تحسن وضعه الأكاديمي وتقدمه في المدرسة ، ولذا فالمدرسة التي تبغي النجاح في مهمتها عليها أن تجعل منها مكاناً يشعر فيه الطالب في المدرسة بأنهم محل العناية والاهتمام وأنهم لم يقدموا إليها ليلاقوا الفشل المحتوم . إن فشل الطالب في المدرسة سواء في تحصيله الأكاديمي أو عدم كونه عضواً مقبولاً فيها يفقده الهدف الأهم من وجوده وهو الشعور بفائدتها وأنها ذات معنى بالنسبة لحياته المستقبلية وهذا بدوره يفقده المتعة من حياته المدرسية ويعزو كثير من المربين هذا الفشل بالدرجة الأولى إلى إخفاقه في تعلم القراءة وإتقانها في المرحلة الإبتدائية والمراحل اللاحقة ، ويعود ذلك إلى عدة أسباب متشابكة منها الفشل المبكر في الحصول على المستوى المطلوب الأمر الذي يؤدي به إلى الإحباط والامتناع عن تجديد المحاولة لأنه بالنسبة له لا أمل .
     على المربين أن يؤمنوا بأن التلميذ حين يلتحق بالمدرسة إنما تحدوه الرغبة في التعلم سواء أكان غنياً أم فقيراً أبلغ السادسة من عمره أو أكثر .. إنه يلاقي في بيته من يقوم على رعايته وتعليمه ، ولذا فهو يتطلع إلى أن يعني به معلمه ويرعاه حق الرعاية فإذا حدث هذا فإن معظم التلاميذ سيعملون بجد واجتهاد ، وإذا ضعف إيمان المعلم والمدير برسالته فسيجد صعوبة بالغة في إقناع طلبته بفائدة المدرسة وصعوبة أكبر في إقناعهم بالارتباط بها والولاء لها . إن العديد من الطلبة لن يصلوا المستوى الذي رسم لهم وتوقع منهم وهنا يحكم على هؤلاء بالفشل وفي هذه الحالة قل العناية بهم فيفقدون بذلك التأييد والمساندة التي يعتمدون عليها وتمدهم بالقوة والاندفاع ، فتثبط همتهم ويقل حماسهم ونشاطهم فالطلبة شأنهم شأن أي إنسان آخر على هذه الدنيا لا يتقبلون الفشل في مقتبل حياتهم بهدوء وستكون ردة فعلهم الهياج والغضب والإحباط الذي ينمو ويتعاظم مع الزمن فينبغي أن يمنح هؤلاء الطلبة المزيد من التقبل والمزيد من الإحساس بالرعاية والاهتمام بمشاكلهم والتحدث إليهم وبأسلوب ممتع عقلياً ومثير للاهتمام ، ومع أن هذا الأسلوب قد لا يجدي مع كل إنسان إلا أنه هو الأفضل والأقوى على الأمد البعيد ، كما ينبغي الاعتناء بصحة التلاميذ العامة وذلك بإجراء فحص طبي دوري  شامل بالتعاون مع أسرة الطالب المريض وضرورة إفساح المجال أمام الطلاب لإشباع رغباته في الترويح والترفيه عن النفس تحت إشراف الأسرة وتوجيه المدرسة ، كما تتدخل الأسرة بالقدر المعقول في اختيار الطالب لأصدقائه ، وتوجيه الأسرة لقيمة التعليم وضرورة تعليم أبنائهم وتشجيعهم عليه . أما بالنسبة للمدرسة فينبغي تخفيف التزمت والشدة خلال اليوم الدراسي وتوفير الأنشطة المدرسية الترويحية التي تحبب التلاميذ في المدرسة وتجعلهم يقبلون على دروسهم في شغف ليرتفع مستواهم التحصيلي كما ينبغي أن يسود الحب والمودة طبيعة العلاقة بين المعلم وطلابه حتى يأخذوا منه بشغف ويقبلوا على دروسه ،  وعلى المعلم أن ينظر إلى طريقة تدريسه دائماً ويتناولها بالتعديل أو التغيير مع ضرورة توجيه النشاط التربوي توجيهاً تربوياً سليماً وتحسين مستوى التوافق المدرسي وهنا يجب مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب ، فعلى المعلم أن ينوع في طرق تدريسه ويبسط شرح القواعد العامة مع حسن استخدام الوسائل التعليمية حتى يمكن أن يصل إلى  التلاميذ ذوي الذكاء المتوسط . وأخيراً ينبغي أن يتضح أن الوقاية خير من العلاج فبدلاً من أن نترك التلميذ يتردّى في هاوية الاضطرابات النفسية ثم نبدأ في علاجها ، علينا أن نقيه مسببات هذه الاضطرابات قدر المستطاع .








No comments: