Friday, January 11, 2013

معوقات نجاح الأنشطة المدرسية كرافد ثقافي


معوقات نجاح الأنشطة المدرسية 

 كرافد ثقافي

      
        الأنشطة اللاصفية تعد الرافد الهام لرسالة المدرسة التربوية ،يكون هدفها مساعدة الطالب كفرد وكعضو في جماعة وكمواطن في مجتمع ،كما تعمل على تنشئته سيكولوجياً وفسيولوجياً وتزوده بالجوانب المعرفية والتعليمية إلى أقصى حد ممكن لتحقيق نموه المتكامل في شخصيته وإعداده لحياة أفضل بتوجيه سلوكه نحو السلوك الإيجابي الأمثل . فالأنشطة اللاصفية الناجحة تدرب الطالب على التفكير الواقعي واحترام النظم وأداء الواجبات وتحمل المسئولية، وهي تخدم النشاط الحر بحيث يكون فاعل ومؤثر في الميدان التعليمي والمجتمع على حد سواء. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حول مؤشرات الثقافة المدرسية ..هل تواكب التطور التعليمي والتربوي ؟ وهل تقوم الأنشطة المدرسية الحالية بدورها كرافد للثقافة العامة ؟.
      إن مؤشرات الثقافة العامة اليوم تقوم على عدة نقاط محورية أهمها أنها ما عادت مقتصرة على الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية من خلال الكتب والمجلات والإذاعة والتلفزيون فحسب وإنما دخل فيها مجال أوسع وأكثر تعقيداً كالإنترنت والفضائيات وأصبحت بشكل واقعي ملموس القفزة الحضارية للتكنولوجيا الحديثة وعالم الاتصالات. حيث أصبح بالإمكان أن نصف  العالم بالقرية الصغيرة رغم ترامي أطرافه واتساع رقعته الجغرافية. وإن كنا نريد الولوج إلى عالم الثقافة المدرسية ، فلا بد من أن نعرج على روافد هذه الثقافة في المجتمع المدرسي .فمن روافد الثقافة المدرسية ؛المعلم والمنهج المدرسي والأنشطة الصفية واللاصفية الفردية والجماعية والتثقيف الذاتي .فالمعلم له دور كبير في نقل الثقافة بكافة أشكالها سواء أكانت سلباً أو إيجاباً إلى المجتمع المدرسي ،والمعلم ذو الإمكانيات الجيدة يثمر جيلاً مبدعاً متميزاً . كما أن للمنهج المدرسي دور كبير في تنمية الثقافة من خلال عرضه للمواضيع والقضايا إما بنقدها أو تأييدها.ولكن هذا لا  يعني بشكل أو بصورة ما ثقافة عامة .فإلى أي مدى يخدم الكتاب المدرسي الثقافة العامة غير المنهجية ؟؟وإلى أي مدى يلجأ الطالب المدرسي  إلى التثقيف الذاتي داخل حدود المدرسة أو خارجها ؟؟كما أنه أين المساحة الزمنية الكافية لممارستها إن وجدت ؟؟ .إن التفات الطالب نحو مسألة التثقيف الذاتي يتفاوت تبعاً للقدرات الخاصة لدى الطالب وإمكانياته ولكن لطبيعة كثافة المنهج المدرسي وتسلسل فترات الاختبارات والتقويمات يجعل من الصعوبة بمكان أن يعطي الطالب المساحة الزمنية لكي  ينمي ثقافته الذاتية أو أن يطلع على ثقافات من خلال كتب واطلاعات خارجية .إذن غالباً ما تكون الثقافة في هذه المرحلة ثقافة تخصصية علمية يستقيها الطالب من واقع الدراسة العلمية التي يأخذها من المنهج ، ولكن كثقافة بالمعنى الثقافي المنشود وهو أن الطالب يحاول أن يبني بنفسه قاعدة ثقافية فكرية من خلال الإطلاع والبحث فهذا أمر ضعيف جداً وإن وجد فهي حالات خاصة ونادرة وتبنى على رعاية واهتمام من الفرد نفسه إذا كانت لديه توجهات في هذا المجال . ولكن الواقع الميداني الفعلي لا توجد بالمعنى الصحيح الثقافة الشاملة الواعية لكل المعطيات والمستجدات .بعد هذا كله هل نستطيع الحكم على الطلاب في هذه المرحلة بأنهم يعيشون فراغ ثقافي مدرسي كبير ؟وإذا كانت كذلك فأين الدور الرائد للنشاط المدرسي والذي من المفترض أن يكون سفيراً للثقافة ؟!
      إذا كنا نعد النشاط المدرسي ضرورة تربوية ملحة جداً وأن هناك مواهب كثيرة جداً وطلاب على مستوى عال من الكفاءات في كافة التخصصات فإن لدينا مشكلة  هذه المشكلة تكمن في كيفية العثور على هؤلاء الطلاب ليتسنى اكتشاف  المبدع والموهوب والفنان منهم .لدينا في مدارسنا كنوز ممتازة من الطلاب ، ولكن للأسف لا تتوفر لهم فرص صقل مواهبهم الثقافية وإبداعاتهم لعدة عوامل مجتمعة، منها سواء ما كان متعلقاً بالطالب نفسه أو المعلم أو ولي أمر الطالب أو الإدارة المدرسية أو الإدارات التعليمية بالمناطق أو على مستوى الوزارة نستعرض بعضاً منها فيما يلي : أولاً ما يتعلق بالطالب ،فالطلاب مشغولون بالدراسة والاهتمام بالمذاكرة وتزاحم الامتحانات طوال العام الدراسي ،فالطالب المنتسب إلى نشاط ما كم حصة دراسية يضطر إلى تركها ليكرس جهده لخدمة النشاط ؟أضف إلى ذلك أن بعض هذه الأنشطة تكون مفروضة على الطلاب دون مراعاة لمقدرات الطلاب وميولهم ورغباتهم .كما تكمن مشكلة أخرى وهي  أن الطلاب المتميزون الذين يقومون بغالبية الأنشطة المدرسية لا يتغيرون ، فنجد الطالب الواحد ينظم إلى أكثر من نشاط  ، على حين توجد مجموعة أخرى من الطلاب يرفضون الانضمام لأي نشاط ، وهذه الفئة غالباً ما تكون الضعيفة تحصيلاً.. هذا وإنه من الملاحظ أيضاً في بعض الأحيان أن الطالب المتميز علمياً أو الأول على مستوى المدرسة إما أن يكون منتسباً إلى جميع الأنشطة أو لا ينتسب إلى أي نشاط إطلاقاً ، بل يكون منطوياً ليس له إلا كتابه .فكيف يتم التعامل مع هذا الأمر على مستوى مدارسنا ولمن تكون الأفضلية وحق التميز ؟؟ إذا كان يتم تكريم الطالب المتميز علمياً في نهاية كل فصل دراسي أو بعد الاختبارات فلما لا يتم تكريم الطالب المتميز ثقافياً أيضاً ليتولد لديه الدافع للبذل والعطاء ؟؟ .إننا بحاجة إلى حوافز تشجيعية تزكي همة العامل ، وتقدير مجهوداته بإعادة النظر في أهمية مثل هذه الحوافز سواء أكانت رمزية أو عينية .وبعد أن أخذنا جوانب الإعاقة المتمثلة في الطالب ، ننتقل ثانياً إلى المعلم المسئول عن النشاط ، ففي بعض الأحيان ، وكثيراً ما تكون حين يتولى أمر نشاط ما معلم ليس لديه خبرة حول النشاط الذي يتولاه فهل يعقل أن يقود الأعمى أعمى مثله ؟؟ إذن لكانت المحصلة سراب ×سراب ووقوع في المحظور .أضف إلى هذا ، كثافة نصاب حصص المعلم ،فكيف يستطيع معلم مثقل بأعباء 24 حصة دراسية وقد تكون أكثر من ذلك تحمل ضغط المنهج المدرسي بما يتطلبه من تحضير وإعداد وتدريس أن يفرغ نفسه لمتابعة إفرازات الأنشطة والإبداعات لدى الطلاب هذا مع كون بعض المعلمين في مواقف أخرى يحملون أعباء أعمال إدارية إضافية ،فلم تعد لديه الفرصة الزمنية الكافية ليخرج وينمي قدرات إبداعية أو غيره . والسؤال المطروح على وزارة التربية والتعليم  لماذا لا يكون هناك أخصائي نشاط ليستطيع إيجاد عناصر إبداعية ممتازة مؤهلة ومعدة الإعداد الجيد ولو كان ذلك عن طريق الإستعانة بخبرات من المؤسسات الاجتماعية والثقافية الأخرى . ونأتي إلى العامل الثالث وهي  أن بعض مدارسنا وللأسف تهتم بالتحصيل وتهمل النشاط وتراه عبئاً على المنهج وعلى التحصيل لأن هم الطالب أن يحصل على أعلى الدرجات وينافس على المراكز العلمية المتقدمة دون النظر إلى أهمية النشاط  .ورابعاً عامل ولي أمر الطالب الذي ينظر إلى أن هذا العبء يكون على حساب دراسة ابنه ومذاكرته ، ولذلك عندما يجد الطالب معارضة والديه يشعر بالإحباط والتخاذل . وخامساً إذا كنا نعول على التعلم الذاتي وأنه على الطالب أن يأخذ ويعتمد على المكتبة كمرجع لثقافته،فلا وجود لهذه المكتبة في معظم مدارسنا ، وإن وجدت فهي هزيلة جداً  ، فلا مراجع متوفرة ، كما أن الإقبال يتصادم مع نوعية المراجع الموجودة إن وجدت زاخرة، فهي قديمة جداً ، فالكتب التي تأتي إنما تكون للزينة وليس للتعلم كالدوريات والمراجع القديمة التي لا تتناسب مع عقلية الطالب والمرحلة الحالية .
      إن هذه العجالة أوضحت بعضاً من معوقات نجاح النشاط المدرسي كسفير للثقافة في مدارسنا .فينبغي أن تدرس هذه المسألة بشيء من الموضوعية ، فالمدرسة تصارع الوقت والجهد وتستقطع ما تستطيع من الأوقات المتاحة كالفسحة أو الاحتياط أو حصة الرياضة أو الفنية أو أحياناً يستدعى الطالب من الحصص الأساسية ويذهب إلى مشرف النشاط ،ولكن هذه حلول لا تنتج مبدع ثقافي بالمعنى المنشود لأن كل هذا يكون الهدف منه دخول المدرسة واشتراكها في منافسات تقييم الأنشطة على مستوى المديرية التعليمية أو الوزارة ، وهنا تبقى المشكلة قائمة في ظل هذه التراكمات..
       إننا بحاجة إلى من يراجع الأمر بوجود الفكر النير المتغير الحديث الذي يتجاوز العقليات الجامدة التي ترى في العملية التعليمية أن الطالب مجرد حصالة يوضع بها كل محتويات الكتاب المدرسي ليلقى بعد ذلك في سلة الامتحانات ..  أننا بحاجة إلى دور الإعلام العام في التعاون والتوعية ، كما ينبغي  ألا نجهل حاجتنا إلى الإعلام التربوي بشكل خاص والذي له الدور الفاعل بتفعيله إيجاباً داخل أسوار المدرسة وخارجها ، فالثقافة لا تأتي فقط من المدرسة بل من الطالب والأسرة والمجتمع . فالمدرسة الحالية لها دور جزئي في دعم الثقافة ، ولكن ينبغي ألا تتوقف عند حدود المنهج الدراسي والتحصيل العلمي . كما أنه إذا كانت الأسرة تنمي القراءة والبحث والإطلاع عند الطفل فإن الطالب ويبدع ويتنح ويعطي في المدرسة أيضاً من خلال المعلم الذي يطرح قضية ما تستدعي البحث والتنقيب والإطلاع . كما يحبذ أن تكون للطالب ميزانية ثابتة ليطلع على الجديد والمثير والمتطور من الكتب والمؤلفات والمراجع مع الاستفادة من معطيات وإفرازات الثورة المعلوماتية . إن توفير حصص خاصة بالنشاط في مدارسنا مع توفير مشرفين متخصصين لكل نشاط على حدة تعتبر ضرورة ملحة للنجاح في حمل رسالة الثقافة . كما أنه على مؤسساتنا الخاصة أن تعمل كرافد يتبنى رعاية الأنشطة المدرسية ودعمها لأننا في المحصلة نريد مخرجات ثقافية ذات هوية وطنية وذات إبداع حقيقي وفعلي يزخر بها في المستقبل ، تساهم في البناء والإنتاج ودفع عجلة التقدم . 

No comments: