الطفل
في يومه الأول بالمدرسة
بعد سبع سنوات من الحياة في محيط الأسرة
الدافئ يريد الطفل ولوج بيئة أوسع وأرحب من البيئة الأسرية ألا وهي المدرسة ،فكثير
من الأطفال يغمرهم شوق كبير من أجل الجلوس على مقاعد الدراسة ونرهم يعدون الساعات
والأيام من أجل اصطحاب كتبهم ولوازمهم ويتوجهون إلى المدرسة ، ولكن مع هذا
الاشتياق يراود ذهن الطفل الصغير كثير من الأسئلة إذا ما بقيت من غير إجابة أدخلت
الاضطراب والقلق في نفسه ، فالطفل يريد أن يعرف كيف هو محيط المدرسة وما هي خصائص
معلمه، حتى أن مظهر وهيئة وشكل المعلم يعد بالنسبة له أمراً مهماً ، وقد يسمع
الطفل قبل أن يدخل المدرسة أشياء كثيرة عنها ربما تكون ذات جانب سلبي تجعله يتهرب
منها ويتذمر، وليس الأمر على هذه الوتيرة بالنسبة لكل الأطفال ، فأولئك الذين
أمضوا مرحلة الروضة والإعداد للمدرسة ربما يكونون إلى حد ما على اطلاع على ضوابط
المدرسة . وعلى أي حال لابد من تهيئة الأرضية المناسبة أمام الطفل من أجل ولوج هذا
العالم الجديد والأخذ بيده ومساعدته من أجل الدخول إلى دور العلم والمعرفة ، وهنا
تقع على عاتق المعلم مسؤولية كبيرة ويضطلع بدور مهم . فعلى المعلم أن يتعرف على
تلاميذه قبل بدء الدراسة ، وعليه كذلك توفير الهدوء والأرضية المناسبة من أجل أن
يتأقلم الأطفال مع المدرسة ومع أقرانهم ، ومن الأمور التي تقلل من اضطراب الطفل
وخوفه، تعرفه عن كثب على نشاطات المدرسة وأنواع الألعاب التي يمكن ممارستها ووسائل
الترفيه والتسلية التي يمكنه الاستفادة منها كغرفة المكتبة أو الحاسب الآلي
والتربية الفنية والرياضة ، وعلى المعلم أيضاً أن يعمل على تشخيص نقاط الضعف
والقوة عند التلاميذ من خلال دراسته لسلوكهم ويمكنه أن يجعل الأطفال قليلي
الاستعداد يخضعون لتعليمات خاصة كي لا يكون الاختلاف بينهم وبين أقرانهم اختلافاً
كبيراً ، وتوفير مثل هذه الإمكانيات من شأنه أن يعرف الأطفال بضوابط المدرسة ومقرراتها
ويصحح وجهات نظرهم الخاطئة حيالها .
إن استئناس الطفل بمعلمه وفهم المعلم
لحاجات الطفل يوجد جواً من الألفة خالية من الخوف والاضطراب ، وهذا الأمر تنعكس
آثاره على المستوى العلمي للطالب وبشكل إيجابي . وإذا كانت أول تجربة للطفل تجربة
ناجحة فإنه سوف ينجذب إلى المدرسة والدراسة ويتحقق النجاح على مستوى حياته
المستقبلية والعكس صحيح أيضاً .ولأجل ألا ينفر الأطفال من المدرسة ، يقترح عدم
اللجوء إلى العنف سواء أكان اللفظي باستخدام الألفاظ الجارحة أو المادي باستخدام
وسائل العقاب البدنية ، ولذا يوصى باجتناب هذا الأسلوب في التربية واتباع الأساليب
الناجحة التي لا تترك آثاراً لا تحمد عقباها على حياة الأطفال المستقبلية خاصة في
المراحل الأولى . وهناك مسألة أخرى لا يمكن غض الطرف عنها ، إنها العلاقة بين
المدرسة والبيت حيث يمكن للمعلم التعرف على شخصية تلميذه من خلال الاستعانة
بالوالدين ، ويمكن في هذا الإطار عقد لقاءات دورية مع أسر التلاميذ من أجل التعرف
على خصائص شخصياتهم وميولم النفسية ، وعلى المعلم إرشاد أسر التلاميذ من أجل توفير
حاجات التلميذ الصغير مادياً ومعنوياً ، كما أن عليه مد جسور التعاون بين البيت
والمدرسة في إطار من التفاهم والثقة المتبادلة .
إن دخول الطفل إلى الصف الأول الابتدائي
يعتبر من الحوادث المهمة في حياته وحياة والدية ، فهذا اليوم يحمل في طياته كثيراً
من التوقعات للوالدين والطفل على حد سواء ، فمثل هذا اليوم بالنسبة لكل طلاب
المدارس حديثي العهد بها وغيرهم يكون مقروناً بكثير من التجارب الجديدة وهو من
الأيام التي لا يمكن أن تنتسى في عمر الإنسان ، فمع انتهاء العطلة الصيفية وافتتاح
المدارس تشهد الأسر بشكل عام تغيراً في برنامج حياتها ، فساعة استيقاظ الطفل من
النوم وساعة تناول الإفطار وأوقات الفراغ واللعب وموعد النوم كلها تنظم وفق برنامج
جديد ، هذا وأن القلق الذي من المحتمل أن يتعرض له الآباء والأمهات في مثل هذا
اليوم يعد أمراً طبيعياً . وإن الاستعداد لدخول هذه المرحلة الجديدة من الحياة
يقلل من الضغوط النفسية التي يعاني منها الوالدان ، وينبغي للآباء والأمهات والأخوة
أن يحدثوا أبنائهم وإخوانهم عن ذكرياتهم الأولى لدخولهم المدرسة حيث أن هذا الأمر
يجعل الأطفال يحبون مثل هذه الأيام ولا ينفرون منها . وتزامناً مع دخول الطفل إلى
المدرسة ربما يداخل الوالدين شعور بأن طفلهما سيقارن من حيث صفاته مع الآخرين .
والبعض يرى في أطفاله الاستعداد والذكاء والجاذبية ويشعر بالقلق عندما تكون وجهة
نظر المعلم نحو طفله غير واضحة المعالم ، وقد تقفز بين الفينة والأخرى إلى ذهن
الآباء والأمهات كثير من الأسئلة فيما يخص وضع أطفالهم الجديد منها " ماذا
يمكننا إن نفعل إذا لم يتمكن الطفل من لفت انتباه المعلم إليه .. ماذا لو صار
الطفل فريسة لاستهزاء أقرانه .. كيف نعالج خجل وهدوء الطفل وحساسيته .. ماذا لو
كان المعلم سيئ الطبع لا عاطفة له …" وفضلاً عن تلك الأسئلة التي تدخل القلق في نفوس الآباء
والأمهات هناك ما يزيده كأن يكون الطفل قد مر قبل دخوله المدرسة بتجربة اجتماعية
قاسية من قبيل انفصال والديه أو موت أحد الأعزاء ، لكن هذا القلق يعد أمراً
طبيعياً لا داعي للخوف منه . وإزاء ذلك القلق لابد للآباء والأمهات من التغلب على
ما قد يعترضه من افتعالات واتخاذ طرق الحل المناسبة .
قد يشعر الوالدان بشيء من الصعوبة وهم
يرسلون ولدهم الصغير لأول مرة إلى المدرسة ويرون مكانه في البيت خالياً فيتساءلون
كيف يمكنه أن يتأقلم مع هذا العالم ، ولكن فليعلم الوالدان أن التجارب سوف تعلم
الطفل حديث العهد بالمدرسة كيف يواجه البيئة الجديدة وما يكتنفها من أمور مختلفة ،
ولابد من إدخال حب المدرسة في قلب الطفل مما يزيد من شوق الطفل للمدرسة ويزيد من
الرغبة لديه إليها .وعندما يعود الطفل من المدرسة يكون بحاجة إلى تجديد قواه،
فالذهاب إلى المدرسة بالنسبة له يعد أمراً صعباً إذ لا ينبغي إلزامه بأداء
التكاليف المدرسية فور وصوله إلى البيت بل لابد أن يستريح بعضاً من الوقت ويلعب في
شطرآخر منه . والمهم في الأمر أن تكون أوقات الطفل منظمة بحيث يخصص وقت للعب
والاستراحة وآخر للدراسة والمطالعة وثالث للنوم ، كما أنه قد تطرق ذهن الطفل
الصغير بعض التساؤلات عن بيئته الجديدة ومثل هذه الأسئلة ينبغي ألا تبقى بدون
إجابة بل لابد من الجواب عليها وبهذا يزال الغموض الذي قد يكتنف عالم الطفل الجديد
. وهناك أسئلة أخرى تخامر ذهن الآباء والأمهات وتنتظر الإجابة لكن هذه الأسئلة
تبقى بلا جواب من الطفل الصغير وقد يكتفي بالإجابة عليها بشكل مقتضب ، ذلك لأن بعض
الأطفال لاسيما قليلو الكلام منهم لا يرغبون كثيراَ في الحديث عن يومهم الذي قضوه
بين أقرانهم وإلى جانب معلمهم في المدرسة ، وقد يشعر الطفل الصغير خلال وجوده في
المدرسة أنه قد أجاب على كم هائل من أسئلة معلمه وبهذا فإن الضغط عليه في البيت
للإجابة عن بعض الأسئلة ربما يلجئه إلى اختيار السكوت والتزام الصمت ،ولهذا فإنه
من الأفضل أن يترك الطفل وشأنه حتى يقدم تلقائياً على الكلام ويبادر بالحديث عن
يومه المدرسي . وليعلم الوالدان أن الطفل الصغير وبعدما يأخذ قسطاً من الراحة يقبل
بكل كيانه على والديه فيجيب على كل سؤال يطرح عليه أو ينطلق تلقائياً في شرح أحداث
يومه ، وهكذا نجد حياة الطفل حافلة في يومه الأول بالمدرسة.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.