التحصيل الدراسي: مفاهيم ومدلولات
بقلم بدرية بنت خلفان المعمري
لسنوات
عديدة، ركزت التربية ممثلة بمدارسها على التعليم، حيث كان للمعلم الدور الأساس
النشط في الموقف التعليمي التعلمي. وغالباً ما ركز المعلم على تعليم طلابه
المعلومات والمهارات بطرق تدريسية مختلفة يراها (أي المعلم) مناسبة وفعالة في
تحقيق الأهداف التي يسعى لتحقيقها. وأما الطلاب فكان دورهم الرئيس تلقي المعلومات
وحفظها ، وبعبارة أخرى كان دور الطلاب
الاستجابة لسلوك المعلم وللكتاب المدرسي. ولم يكن لهم أي دور في علمية تعليمهم تلك
سوى استقبال المعلومات.
ومع
تطور التربية والتعليم وظهور نظريات تربوية جديدة، أصبح دور الطالب دوراً مركزياً
في العملية التربوية ، وأصبح الطالب محور العملية التربوية ، ومركزها ،
ومُدْخَلهَا ( Input ) و نتاجها (Outcomes/ Out put ) الرئيسين. وغدا ذا دور نشط فاعل في علمية
تعلمه ، وشريكاً رئيساً في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالعملية التربوية على
مستوى المدرسة ، وأصبح معنياً بالبحث عن المعرفة واكتشافها وإنتاجها. وأصبح معنياً
بالتفكير في تعلمه وتقويمه. ماذا تعلم؟ كيف تعلم؟ ما جدوى هذا التعلم وهل يمكن
التعلم بطريقة أفضل؟.. ويُعْمِل فكره في الظواهر والمعطيات ويحللها ويكتشف
العلاقات والانتظامات والأنماط الموجودة فيها. وأما المعلم فقد أُنيطت به أدوار
جديدة تهدف جميعها إلى تفعيل دور الطالب في الموقف الصفي وفي تعلمه بشكل عام. كما
تهدف إلى تحسين التعليم والتعلم والمُنْتَج التربوي. في هذا الإطار برز مفهوم
التعليم والتعلم المُنَظَّمْيْن، وبات تنظيم بيئة التعلم وتنظيم الفرص التعليمية،
وتنظيم المعلومات المقدمة للطالب بشكل يحفزُه على التفكير والبحث والاكتشاف ،
ليتخرج إلى الحياة باحثاً مكتشفاً منتجاً قادراً على حل مشكلاته وعلى الإسهام
الإيجابي في حل مشكلات مجتمعه ووطنه.
من
أهم المشكلات التي تواجه المؤسسة التعليمية عدم وضوح دور التقويم المستمر في تقويم
تعلم الطلبة وفق مخرجات التعلم أو الآلية الصحيحة التي يتم بها تقييم الطلاب
بأدوات التقويم المختلفة ، مما أدى إلى مضاعفة المشكلات المتعلقة بالتحصيل الدراسي
وتراكمها لسنوات عدة بسبب عدم الإيفاء بمتطلبات كل مرحلة دراسية ولعدم تحقق
المخرجات التعلمية المتوخاة فيها وبالتالي تراكم الضعف التحصيلي مع مرور الزمن
ليستمر إلى مراحل متقدمة. وقد أتهم التقويم المستمر بالإخفاق في تحقيق المستويات
التحصيلية المرغوبة للطلاب على حين أنه يعد وسيلة جمع معلومات فقط حول مدى تعلم
الطلبة وإنجازهم من خلال تحقق مخرجات التعلم المستهدفة بكل مرحلة دراسية ووفقا
للمناهج الدراسية.
مفهوم
التحصيل الدراسي:
التحصيل الدراسي يتمثل
في المعرفة التي يحصل عليها الفرد من خلال برنامج او منهج مدرسي قصد تكيفه مع
الوسط والعمل المدرسي. ويقتصر هذا المفهوم على ما يحصل عليه الفرد المتعلم من
معلومات وفق برنامج معد يهدف الى جعل المتعلم أكثر تكيفا مع الوسط الاجتماعي الذي
ينتمي إليه، بالإضافة الى إعداده للتكيف مع الوسط المدرسي بصورة عامة. ويرى"جابلن"
ان التحصيل "هو مستوى محدد من الأداء او الكفاءة في العمل الدراسي، كما يقيم
من قبل المعلمين او عن طريق الاختبارات المقننة او كليهما معا". ويركز هذا
المفهوم للتحصيل الدراسي على جانبين، الأول على مستوى الأداء او الكفاءة، والثاني،
على طريقة التقييم، التي يقوم بها المعلم، وهي عادة عملية غير مقننة، وتخضع
للمشكلة الذاتية، أو عن طريق اختبارات مقننة موضوعية.
ويحدد الباحث
"سيد خيرالله" في مؤلفه (بحوث نفسية وتربوية) مفهوم التحصيل الدراسي
تحديدا إجرائيا حيث يرى ان التحصيل" يعني التحصيل الدراسي، كما يقاس
بالاختبارات التحصيلية المعمول بها بالمدارس في امتحانات شهادة المرحلة الأولى
(المرحلة الابتدائية) في نهاية العام الدراسي، وهو ما يعبر عنه المجموع العام
لدرجات التلميذ في جميع المواد الدراسية..". ويلاحظ ان هذا المفهوم يربط بين
التحصيل والاختبارات التي تستعمل لقياس المحصلة النهائية لمجموعة المعارف والمهارات
والتي تتمثل في المجموع العام لدرجات التلميذ في نهاية السنة الدراسية.
وفي السياق ذاته، يرى
الباحث "ابراهيم عبد المحسن الكناني" ان التحصيل الدراسي هو "كل
أداء يقوم به الطالب في الموضوعات المدرسية المختلفة، والذي يمكن إخضاعه للقياس عن
طريق درجات اختبار او تقديرات المدرسين او كليهما معا". ويبدو ان هذا التعريف
أكثر إجرائية من التعريفات السالفة الذكر، بيد انه لم يحدد نوعية الاختبارات من
حيث أنها مقننة او غير مقننة، ناهيك ان اشتراطه إخضاع أنماط الأداء للقياس بصفة
عامة،يتطلب منه تحديدا إجرائيا لها (الأداء الحركي، والفكري، والاسترجاعي ..الخ.
مفهوم
ضعف التحصيل الدراسي:
يعرف
زهران (1986) ضعف التحصيل الدراسي بأنه: حالة تأخر
أو نقص في المستوى العادي لأسباب عقلية أو جسمية أو
اجتماعية بحيث تنخفض نسبة التحصيل والنجاح الى
ما دون المستوى العادي (المتوسط). أما تشاليد (1973) فيعرف ضعف التحصيل الدراسي بأنه: هبوط في مستوى
إنجاز الطلبة بفعل أسباب متعددة في مستوى
القدرة العلمية لديهم ويتوقع تحسن أدائهم إذا ما تمت
رعايتهم رعاية خاصة ويصنف الفقيه (1974) ضعف
التحصيل الدراسي إلى نوعين رئيسين هما ضعف التحصيل الخلقي
ومصدره خلل أو قصور في الجهاز
العقلي، وضعف التحصيل الوظيفي
ومصدره أسباب اجتماعية أو إضرابات أسرية ويصنف لوجال (1978) ضعف التحصيل الدراسي إلى نوعين هما:
*ضعف
التحصيل الحقيقي: وهو تأخر قاطع يرتبط بانخفاض مستوى الذكاء
والقدرات النمائية.
*ضعف
تحصيل ظاهري: وهو ضعف زائف يرجع
لأسباب غير عقلية ويظهر ذلك بنتائج الثانوية العامة وتدني نسبة النجاح.
·
أسباب ضعف مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب:
1 ـ الطالب :
أن العوامل النفسية التي يمر بها الطالب في حياته تشكل جزءا من الأسباب التي تؤدي
إلى تدني مستوى تحصيله فالقلق والاكتئاب والثواب والعقاب والتسرب من المدرسة لها
الأثر الكبير والبالغ في تحصيل الطلاب . وإذا أخذنا القلق كمثال واحد فإنه يعد
إحدى الظواهر النفسية التي تؤثر تأثيرا واضحا في شخصية الطالب بصورة خاصة حينما
تنعكس على أدائه ومستوى تحصيله العلمي والمعرفي في المدرسة . وبقد عرَف الباحثون
القلق وقاموا بربطه مباشرة بمستوى التحصيل الدراسي الذي يصل إليه الطالب والذي
يتأثرا إيجابيا وسلبيا لأن المرحلة التعليمية التي يمر بها الطالب تشكل نقطة بداية
هامة في حياته والتغلب على هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها واكتشاف دوافعها تعد نقطة
مركزية وأساسية في عملية تصويب الأوضاع التعليمية لديه .
2 ـ الأسرة : لقد
أكد الكثير من الباحثين على أن تدني التحصيل الدراسي يرجع في أغلب الأحيان إلى
عوامل اجتماعية وثقافية ، حيث أتضح أنه من المعروف والمؤكد أن الظروف التي تحيط
بالطالب تؤثر مباشرة على تحصيله الدراسي ، فمثلا سؤ التوافق الأسري الذي يحدث
نتيجة لاضطراب العلاقات بين الوالدين أو انفصالهما تجعل الجو المنزلي صعبا ومتوترا
وغير ملائم للعمل المنتج ، لأنه يجعل الطالب يعيش في الوضع الصعب الذي يسود بين
الأهل والمنزل كما أن لأسلوب التنشئة الاجتماعية الخاطىء أثره السلبي على تطور
قدرة الطالب على التحصيل الدراسي المرتفع أو المتفوق .
3 ـ المدرسة :
يمكن حصر بعض أسباب تدني تحصيل الطلاب المتعلقة بالمدرسة بــــ :
أ ـ تنقلات
الطالب من مدرسة إلى أخرى .
ب ـ تنقلات
المعلمين وعدم استقرارهم .
ج ـ تصرفات
المعلمين ومعاملاتهم .
·
وتؤثر الإدارة المدرسية في تحصيل الطلاب من خلال :
أ ـ تشجيع الطلاب
على الدراسة .
ب ـ تعاون
الإدارة مع معلمي المواد المختلفة .
ج ـ المتابعة
المستمرة للامتحانات المدرسية في المواد المختلفة .
د ـ اتصال
الإدارة الدائم والمستمر مع المعلمين والمربين ( التواصل بين المدرسة وأولياء
الأمور ).
4 ـ المناهج :
لكي يقوم المربون وعلماء النفس بوضع المناهج الصحيحة والمناسبة عليهم الاستعانة
بثلاثة مقاييس هي :
أ ـ قيمة كل مادة
من مواد التدريس في تكوين شخصية الفرد وإعداده الإعداد الصحيح والمناسب للحياة
الاجتماعية .
ب ـ متوسط قدرة
الطالب في مرحلة معينة من العمر وقابليته وميوله وحاجاته حتى يكون بالإمكان أخذها
بالإعتبار والعمل على إشباعها وتطويرها .
ج ـ المنفعة
الفردية والاجتماعية التي يرجى الحصول عليها من اتباع منهج معين بالرغم من أن هذه
المنفعة تختلف من فرد لآخر .
ـ إن هذه
المقاييس يكمل بعضها بعضا ، ولا توجد لأي مقياس منها قيمة أو أهمية خاصة بدون
الآخرين ، أي لا نستطيع الإستغناء عن أي مقياس منها .
5 ـ المعلم : إن
العملية التعليمية تقوم على عدة عناصر مع بعضها البعض للوصول إلى تحقيق الأهداف
الأساسية وهذه العناصر تضم المعلم والطلاب والمنهج ومكان الدراسة وجميعها لها شأن
وأهمية في نجاح عملية التعلم وأن أي يضعف يحدث لأحد هذه العوامل يؤثر بصورة مباشرة
على العوامل الأخرى
إن هذا يعتمد
بصفة رئيسية على مدى مهارة المعلم وكفأته في التعامل مع الطلاب والمادة بنفس الوقت
بحيث يجعل منها مادة سهلة ومشوقة وجذابة تجعل الطلاب يقبلون عليها برغبة .
أهداف
التقويم المستمر:
يقوم المعلمون عادة بتقويم عمليتي التعليم والتعلم لتشخيصهما
وأخذ تغذية راجعة حول عمليتي التعليم والتعلم بهدف :
1-تعزيز أساليب التعليم التي ثبتت جدواها .
2-تعديل أو تغيير بعض إجراءات طريقة التعليم إذا ثبت عدم
صلاحيتها.
3-تطوير التخطيط للتعليم
والتعلم المستقبليين .
4-يفترض أن تكون عملية التقويم تشاركية وتعاونية يشترك
ويتعاون فيها الطلاب و المعلمون.
5-تقويم الأهداف التعليمية و أساليب التعليم ، وأساليب التقويم ، ونتائج
الطلاب ، ونواتج التعلم والنشاطات ، والطرق التي أُتبعت في جمع المعلومات عن أداء
الطلاب .
قد يكون التقويم المستمر تكوينيا أو بنائيا أو قد يكون التقويم
ختامياً ونقصد به التقويم الذي يستهدف
تعرف مدى إتقان الطلاب لتعلم المهارات بهف إصدار حكم نهائي على مدى اكتساب تلك
المهارة. ومهما كان نوع التقويم يُفترض في
المعلم دراسة نتائجه وتحليلها واستخلاص التغذية الراجعة منها التي يُفترض أن
يوظفها المعلم في تحسين أدائه التعليمي وأداء طلابه التعلمي.
مباديء التقويم
المستمر:
ولم
تأت استراتيجية التقويم المستمر من فراغ أو بدون الاستناد لأُطر تربوية . لقد جاءت
هذه الاستراتيجية نتاجاً طبيعياً لمعطيات ونتاجات عمليات التقويم الصفي التي تقدم
معلومات عن تعلم الطلاب يفترض أن لا تُهمل ، بل على العكس من ذلك يفترض أن توظف في
تحسن تعلم الطلاب وتحسين أداء المعلمين ولعل هذا هو الهدف الرئيس لعمليات التقويم.
تستند استراتيجية التقويم المستمر إلى
عدد من المبادئ التربوية الموجهة للتعليم والتعلم، ومن هذه المبادئ:
1-تخطيط التعليم لتحقيق مخرجات
تعلم واضحة ومحددة.
2-التعلم السابق للطلاب عنصر هام ومتطلب رئيس للتعلم الجديد.
3-التقويم مدمج (متكامل) في عملية
التعليم والتعلم وليس مفصولاً عنها .
4-الطالب عنصر فريد في الموقف
التعليمي التعلمية خصوصيته الممَيزة له.
5-الطالب ذو دور فعّال في عملية التعليم
والتعلم.
6-التعليم علاجي(يعالج مواطن الضعف
لدى الطلاب) ،وتعزيزي (يعمل على تعزيز مواطن القوة لدى الطلاب).
7-دور المعلم تلبية حاجات الطلاب
ومتطلبات المنهج المدرسي.
8-إثارة اهتمام الطلاب وإثارة دافعيتهم
عوامل أساسية للتعلم .
9-تحقق التعليم والتعلم المتبادل بين
المعلم والطلاب نتيجةً للتفاعل الإيجابي بينهم.
10-نوع البيئة التعليمية التعلمية
وتنوع الوضعيات التعلمية متطلبات ومثيرات مهمة للتعليم والتعلم.
إن
تقويم تعلم الطلبة باستخدام التقويم المستمر بنوعيه التكويني والختامي :
-يهدف إلى معرفة مدى تعلم الطلبة
وتقدمهم في المعارف والمهارات المحددة مسبقا .
-يركز على كيفية تعلم الطلبة، وكيفية
تحسين خبرة تعلمهم.
-يراعي مستوى تقدم الطلبة في تعلمهم
والمستوى المنشود، ويغطي الفجوة بين المستويين.
-الحصول على أدلة وتفسيرها بغية
استخدامها من قبل المتعلمين ومعلميهم؛
لتحديد وضع المتعلمين في تقدمهم الدراسي، وتحديد المستوى المطلوب الوصول
إليه، ومعرفة أفضل الطرائق للوصول إلى المستوى المطلوب
-التركيز على التعلم عوضا عن التركيز على التدريس.
-يتم إشراك كافة الطلبة في ثقافة
مدرسية تتسم بوضع توقعات عالية لأداء الطلبة.
-يثري خبرة التعلم، يتم التعامل مع كل طالب باهتمام وخصوصية.
-يعطى التعلم أهميته، ويضفي عليه متعة
.
بينما نجد أن التقويم الختامي المتمثل في اختبارات
نهاية المادة الدراسية أو امتحانات نهاية الفصل الدراسي يفيد في وضع التدرج
لمستويات التحصيل أو في مقارنة النتائج من عام لآخر. وقد لا يكون الهدف منه إحداث
تغيير في المعارف والمهارات التي يكتسبها الطالب أو تعديل في طرائق التدريس
المتبعة لدى المعلم. ولكن مع المدى القصير أو الطويل قد تستخدم النتائج المستخلصة
منه من إحداث تغيير على مستوى السياسات والقرارات العليا والتي تتمثل في آليات
إعداد المعلمين وصياغة المناهج التعليمية وغيرها على المستوى العام.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.