اليأس
والإسلام والعمل
اليأس صفة من الصفات الإنسانية النفسية
، تتولد نتيجة عوامل خارجية وذاتية ، وبتعبير آخر إنها مصداق من مصاديق العاطفة
الإنسانية . فالعاطفة هي مجموعة منتظمة للعوامل النفسية عند الفرد تنبثق من
التأثيرات المختلفة في سلوك الإنسان كعاطفة الحب والكراهية وما يتولد عنها من
اندفاع أو انكماش ، ويعني ذلك أنه دافع داخلي يتمركز في كيان الإنسان فيؤثر على
ملامحه الظاهرية فيكون سلوكه العام الذي تقوم عليه الشخصية الكلية للفرد .
واليأس لا يدل إلا على الانهزامية والاستسلام وعدم الشعور بالمسؤولية .
اليأس بعد ذلك هو الواقع الداخلي الذي يجسد انهزام المسلم أمام قيمه ومثله وتضاؤله
أمام التيارات الدخيلة العاتية واستسلامه الهادئ للرياح العاصفة من حوله وفقدانه
الثقة بنفسه وقضيته . فلم يعد يؤمن أن له قضية يكافح في سبيلها ، وقيماً يعمل
لتركيزها ، عندها يتلاشى الأمل وتضمحل العزيمة ، وهنا ينكمش ويتوارى عن الأنظار
نتيجة فقدان هذا العنصر الرئيسي المتمثل في الثقة بالنفس والقوة .والأنكى من ذلك
أن التفكير السطحي لا يتوقف عند هذا الحد بل يتعداه حتى يعتبر التفكير في العمل على إعادة الإسلام إلى الحياة تفكيراً
خيالياً ،فلا يفكر في التضحية والبذل لأجله .
فاليأس كمشكلة عند الإنسان لا بد من أن يكون أمراً بديته الشبهة بحيث أدت
هذه الشبهة مفعولها المخدر حتى سرت في عروقه مسرى الدم، وغزت ذهنه وفكره ، فهي في
البداية تطبع الفرد بطابع اللامبالاة وبطابع التسليم وبطابع التسليم وبطابع
التخاذل وطابع الانهزامية حتى تتركز هذه الشبهة عند الفرد فتجعله إنساناً يائساً
أشبه بآلة متحركة تتلاعب بها الأقدار . فهو قد عاش عليها وأعتاد على أجوائها
واستسلم لقيادتها فلا يفكر بالخروج من دائرة الوهم النفسي لأنه لا يروم التعب
الفكري ولا يتحمل مسئولية العمل ومتاعب هذا الفكر المعقد في نظره .
وحقيقة الأمر أن واقعه الانهزامي هذا حسب تصوره هو الذي يمثل عنده تحطيم
إرادته الشخصية وقوته وعزيمته الروحية فأدى به ذلك إلى اختلاق مبررات عديدة للقعود
والتقاعس والوقوف بعيداً عن معركة الجهاد الفاصلة . ولما كنا نريد معالجة اليأس
وهي مشكلة اجتماعية في إطارها الأول والأخير ، فلا بد من أن تصاحبنا قوة العزيمة
ورباطة الجأش والأمل والإرادة والصبر والاستمرار لتهديم كل الأسوار مهما سمت في
شموخها والتي يمكن أن تعترض سبيل زحفنا . ذلك لأن الأمر الذي يدعو إلى اليأس قد لا
يكون ضعف الوازع الديني أو التفكير الذهني وعدم إدراك المفاهيم الصحيحة بعقلية
واعية فحسب بل قد يتعداه لأمر عملي مثلما يكون في بعض الأحيان لأمر نفسي .إذن يجب
أن تعالج مشكلة اليأس بالطريقة الأساسية وهي الطريقة العلمية استنادا إلى القواعد
الفكرية الواعية والمبادئ الإنسانية الراقية .
والإسلام ينبوع ثر العطاء يفتح منافذ
التفكير ويقود العقول نحو أنواع من الوسائل وعلى ألوان من الأساليب تتميز
بالاستقامة والاتزان واليقظة ويمد العاطفة بطاقات التأثير المتأججة واللا محدودة
ليدفعها نحو العمل والتضحية في سبيل الإنسانية من أجل الحفاظ على حقوقها وكرامتها
وسلامتها ويضع يد المجاهد المسلم على قدسية الأمل متى أخلص النية لله وللحق
ويريه عظمة الإيمان بوعد الله تعالى
بالفوز والنصرة وذلك في مفعوله ونتائجه وينير أمامه آفاق الحياة بمختلف أجوائها
وشئونها ويجعلها قريبة المنال وطيعة القياد ، فيشعر المسلم لذاذة الجهاد عن المبدأ
ويحس نشوة انتصاره للكرامة ويتغذى روحانية النضال عن الإنسانية .
فالإسلام بحر متميز على خلاف البحور الأخرى ، تكل اليدان بالتدوين عنه
ويقصر اللسان عن ذكر مزاياه ومحاسنه ، فإحاطتنا به محدودة وهو غير محدود ومداركنا
ضيقة قاصرة لوسعه اللا متناهي . ودوافع الشخصية الإسلامية ما هي إلا تحقيق التكليف
الشرعي القاضي بتحكيم الرسالة السماوية في مجالات الحياة المتعددة في النطاقين
النظري والعملي وعلى الصعيدين الفردي والجماعي . فالغاية الإسلامية هي التي من
شأنها دون أية غاية أخرى في الحياة أن تكون غاية الإسلام الوحيدة في كل مرتبة من
مراتبه العقلية والفكرية والعلمية مهما كانت ناضجة راقية دون أن تمسه الحاجة إلى
تغييرها بغيرها لأنها على علاقة سوية بكل مرتبة من أدنى مراتب العلم ، والعقل أرقى
مراتبها وأعلاها شأناً ، وكل ما هنالك من الفرق في هذا الشأن إنما هو باعتبار
مراتبنا نحن البشر في الشعور والتعقل .
والنجاح بعد ذلك إنما يتحقق بالارتفاع والسمو في المرتبة العقلية عند
الشخصي سواء الفردية أو الجماعية من أن تعيش بمستوى لائق ينسجم مع كونها إسلامية
خالصة النية لله في القول والعمل تعتمد في النجاح على القاعدة التشريعية وعلى
الغاية الإسلامية وهذا هو المقياس الصحيح لها . وهكذا يكون النجاح فيما لو كانت
الأعمال مقترنة بالنوايا المترفعة عن المتع الدنيوية ومصالحها الذاتية .
ثم إن التماسك بين العقيدة ورجالها يكون زخماً عقائدياً لا يمكن صده
والوقوف أمامه إذا تحرك فهو كالإعصار يزيح أعدائه من أمامه ويمهد الطريق لأنصاره .
والعمل الإسلامي إذا سار على طريق واضح المعالم جلي الأبعاد لم يكن حليفه إلا
وراثة حكم الله في الأرض . ويتحقق بذلك الهدف الذي من أجله خلق الله البشرية ألا
وهو استخلافهم في الأرض . قال تعالى : " وإذ
قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة "
وقال أيضاً : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ." صدق الله العظيم .
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.