رعاية المتفوقين
إن الفروق بين المجتمعات البشرية
والحضارات ليست فروقاً وراثية بل أنها فروق نشأت نتيجة لطبيعة استخدام كل مجتمع
لقدرات وإمكانات أفراده.لذا يعد العنصر البشري هو العامل الحاسم في النهوض
والارتقاء بأي مجتمع ما .فكلما أحسنا الاستفادة من قدرات أفراد المجتمع، وتم
توجيهها الوجهة السليمة أوجدنا أداة منتجة وفاعلة لذلك المجتمع .فالفرد مهما كانت
إمكاناته وقدراته لا يستطيع العطاء ما لم تهيأ له الفرصة والمناخ الملائم للعطاء
والإنتاج .ولعل مجال التربية والتعليم من المجالات المؤثرة في تنمية وصقل قدرات الأفراد
من حيث أنها تقدم لهم تغذية فكرية ووجدانية تسهم في بناء الشخصية والكيان المتكامل
للفرد .وتعتبر الرعاية الاجتماعية للطلاب من مستلزمات الأمور لنمو حياتهم
واستقرارهم .وإذا كانت الرعاية التي توجه إلى الطلاب عامة هامة، فإن توجيهها إلى
المتفوقين أهم ،حيث أن هؤلاء الفائقين هم علماء المستقبل وبناة الأمم وقادة
المجتمع . وعبر السنوات الطويلة برز أفراد كثيرون وخلدت أسماؤهم لما قاموا به من
أعمال واختراعات وأفكار أثرت على تفكير المجتمعات ومجريات حياتها . وعبر تلك
السنوات أجمع الناس على تميز أداء هؤلاء الأفراد . وفي اهتمامنا بهذه الفئة إنما
هو اهتمام بالثروة البشرية التي يحتاجها المجتمع لبناء نفسه والنهوض به.وعلى الرغم
من وجود العديد من التعريفات الخاصة بهذه الفئة إلا أننا نورد منها على سبيل
المثال " المتفوقون هم العناصر البارزة بين الطلاب التي تتميز عن زملائهم
بالتقدم في مجالات مختلفة كالمجال الدراسي أو أحد مجالات النشاط أي أن تكون لديهم
قدرات خاصة على الابتكار والتحصيل الدقيق وسرعة البديهة والذكاء الوقاد والنقد
البناء كما أن لديهم مكونات عميقة أخرى ليس من السهل إدراك كنهها "
إن أقل ما يمكن أن يقال عن المتفوقين أنهم
يختلفون بشكل واضح في مجمل الخصائص عن نظرائهم العاديين، فهم أكثر نضجاً وتقدماً
بالنسبة لعمرهم الزمني ويقتربون بشكل أكبر في تصرفاتهم إلى من يكبرونهم سناً.
إنه لمن الضروري أن يتم التعرف على
المتفوقين في مرحلة مبكرة من العمر حتى يتيح إمكانية تغذيتهم بالمعلومات الإضافية
التي تناسب قدراتهم الخاصة وتساعد على زيادتها وصقلها وكذلك علاج ما قد يعترض
تفوقهم من مشكلات ومواجهتها في بدايتها مساعدة لهم على الاستمرار في التقدم العلمي
المنشود .ونجد أن المتفوق يتميز عن غيره بنضج أعلى عن بقية زملائه والاستقلال
الفكري والميل إلى المناقشة الدائمة ، وكذلك وجود مجوعة من القدرات العقلية
والعلمية المتميزة . وهؤلاء يمكن تحديدهم في المدرسة من بين الطلاب الحاصلون على
أعلى المجاميع في الاختبارات الدورية واختبارات نهاية العام الدراسي ، وكذلك
الحاصلون على المراتب الأولى في المسابقات الدينية والثقافية والاجتماعية
والرياضية والفنية سواء على مستوى المدرسة أو المنطقة أو الدولة ، وكذلك من بين
الموهوبين ذوي القدرات الخاصة في الأنشطة التربوية المختلفة كالإذاعة والنشاط
المسرحي ومسابقة حفظ القرآن الكريم والبحوث والمقالات الدينية والثقافية والعلمية
والكشافة وغيرها .إن أهم مصادر التعرف عليهم هم المعلمون وأولياء الأمور
والاختبارات والأنشطة والأقران .
ومن الاعتقادات السائدة أن فئة المتفوقين
لا تحتاج إلى مساعدة خاصة ، فنظراً للقدرة العقلية العالية لأفراد هذه الفئة
يمكنهم العناية بأنفسهم، لكن بعض البحوث أشارت إلى عدم صحة هذا القول وأن
المتفوقين في أمس الحاجة إلى كل مساعدة وعون يقدم لهم . وقد أثبتت بعض الدراسات
التي أجريت على الطلاب المتفوقين أن هناك مجموعة من المشكلات يعاني منها المتفوق
من شأنها إعاقة نمو الطالب المتفوق .منها أولاً مشكلات خاصة
بالمتفوق نفسه مثل الشعور بالوحدة نتيجة اختلاف الميول والنشاط عن أقرانه من نفس
السن والشعور بالنقص في بعض الأحيان نتيجة عدم قدرته على الاندماج في جو الجماعة ،
هذا بالإضافة إلى عدم تساوي النضج العاطفي مع النضج العقلي مما قد يؤدي إلى شعوره
بالقلق نتيجة اهتماماته العقلية التي لا تتناسب مع الاتجاهات العاطفية المكتسبة . ثانياً
مشكلات خاصة بالبيئة المنزلية كعدم الاكتراث بتفوق الطفل وعدم وجود الحافز
في البيت ، والفروق في الثقافة بين الطفل المتفوق وأسرته مما يحول بينه وبين
الانتفاع بخبرات الأسرة . كذلك المبالغة في المستويات التي يضعها البيت لنمو قدرات
الطفل ودفعه إلى مزيد من العمل والتحصيل فوق القدرة مما قد يشعره بالإحباط .ثالثاً
مشكلات مدرسية كاستياء زملائه في الفصل من تفوقه الدراسي وخصوصاً إذا أراد أن يظهر
معرفته وتفوقه داخل الصف فكثيراً ما يؤدي هذا الأمر إلى نبذه وعزله عن المجموعة ،
كذلك يضطر في كثير من الأحيان إلى الانكماش وإخفاء جوانب التفوق لديه ، ولا تقتصر
على زملائه فقط بل تتعداها إلى المدرس فغالباً ما يحرج كثير من المدرسين من أسئلة
الطالب المتفوق المتعددة وغير المتوقعة أو التي تتطلب منه وقتاً أطول للإجابة
عليها فيلجأون إلى تجاهله أو عدم الإجابة عليها مما يعطل نموه ، وأحياناً يلجأ
المعلمون إلى المبالغة في الرعاية التعليمية وعدم الاهتمام بالرغبات الخاصة للطالب
وإنما دفعه نحو ما يريدون من العلم والتحصيل بما قد لا يتناسب مع قدراته
وإمكاناته.
إن الطلبة المتفوقين يختلفون عن العاديين
بخصائص كثيرة كالأنماط المعرفية وأنماط التعلم وخصائص الدافعية وطبيعة الحاجات
لديهم إذ لابد من برامج خاصة بهم تسمح بتقديم خبرات تتلائم مع احتياجاتهم فتسهم في
تنمية قدراتهم وإمكاناتهم وتهيئة المناخ القادر على استثارة ذلك المتفوق وقدراته
الحدسية ومن أمثلة هذه البرامج، تشجيع هؤلاء بعرض نتائجهم من خلال وسائل الإعلام
المدرسي وإبرازهم في لوحة الشرف وإعداد المسابقات التي تناسب هؤلاء حسب قدراتهم
المتميزة لزيادة ثقافتهم واطلاعهم مع تقديم الحوافز المادية والمعنوية لدفعهم على
الاستمرار ، والعمل على توفير المراجع التي تناسب ميولهم ، وتشجيعهم على أساليب
البحث العلمي ، ومساعدتهم على تقديم منتجاتهم وأفكارهم بصفة منتظمة ، والعمل على
تبادل الزيارات واللقاءات الهادفة لرعاية التفوق مع توعية هيئة التدريس بما يجب أن
تكون عليه الأسس التربوية لرعاية هذه الفئة ، كما يعد إجراء دراسات شاملة وبحوث
اجتماعية لهؤلاء المتفوقين أمراً هاماً بحيث يمكن معرفة أسس التفوق والعوامل
المؤدية إليه وأساليب اكتشاف الطلاب المتفوقين.
No comments:
Post a Comment